ایکنا

IQNA

الشيخ طه الفشنى.. كروان القرآن الكريم

14:39 - January 09, 2021
رمز الخبر: 3479724
القاهرة ـ إکنا: طه حسن مرسى الفشني(1900 ـ 10 ديسمبر 1971 للميلاد) قارئ قرآن ومنشد دينى مصرى، يُعد أحد أعلام هذا المجال البارزين، من مواليد مدينة الفشن بمحافظة "بنى سويف" المصرية،

وطه حسن مرسى الفشني(1900 ـ 10 ديسمبر 1971 للميلاد) قارئ قرآن ومنشد دينى مصرى، يُعد أحد أعلام هذا المجال البارزين، من مواليد مدينة الفشن بمحافظة "بنى سويف" المصرية، كان والده الشيخ طه مرسى الفشنى تاجر أقمشة من ميسورى الحال، اختار لنجله أن يكمل دراسته بعد أن دخل الُكتاب وحفظ القرآن وأتم الـ‏١٠‏ سنوات، ثم التحق بمدرسة المعلمين بالمنيا، وحصل فيها على دبلوم المعلمين، ورحل بعدها إلى القاهرة ليلتحق بمدرسة دار العلوم العليا، ولكن الأحداث السياسية التى كانت تمر بها مصر وقتها واندلاع ثورة ١٩١٩ حالت دون ذلك، فتوجه إلى الأزهر الشريف، والتحق بفريق الشيخ على محمود، واشتهر بعدها بتميزه فى أداء التواشيح الدينية، ثم ذاع صيته بأنه قارئ ومُنشد حسن الصوت، وكان الذى اكتشف تميز صوته وأدائه كقارئ ناظر المدرسة، وأسند إليه القراءة اليومية للقرآن فى الطابور وحفلات المدرسة، التحق بالإذاعة المصرية سنة ١٩٣٧، وعين قارئًا لـ«جامع السيدة سكينة» سنة ١٩٤٠ حتى وفاته.
 
وأختير رئيسًا لرابطة القراء خلفًا للشيخ عبدالفتاح الشعشاعى سنة ١٩٦٢، كان الشيخ طه صاحب مدرسة متفردة فى التلاوة والإنشاد، وكان على علم كبير بالمقامات والأنغام، وانتهت إليه رئاسة فن الإنشاد فى زمنه، فلم يكن يعلوه فيه أحد، وهو أشهر أعلام هذا الفن بعد الشيخ على محمود، من أشهر التواشيح «ميلاد طه يا أيها المختار»، فكان جديرًا بأن يصبح كروان القرآن الكريم ويتربع على العرش مع الكبار فى دولة القراءة.

فى بداية حياته ولدى وصوله إلى القاهرة قادمًا من بلدته بمحافظة بنى سويف تلقته شركة أسطوانات يونانية وأنتجت له أسطوانتى أغانى، إلا أنه سرعان ما عاد لموهبته وحبه الأول لتلاوة القرآن الكريم.

ورتل «الفشنى» القرآن الكريم بقصرى «عابدين ورأس التين»، بصحبة الراحل الشيخ مصطفى إسماعيل لمدة ٩ سنوات كاملة، وعندما بدأ التليفزيون إرساله فى مصر كان الفشنى من أوائل قراء القرآن الكريم الذين افتتحوا إرساله وعملوا به.

وبرزت موهبته، خاصة فى مجال الإنشاد الدينى قبل أن يلتحق بمعهد المعلمين ويحصل على شهادة الكفاءة ويحترف بعدها القراءة فى الموالد والأفراح، قبل أن يتجه إلى العاصمة فى منتصف عشرينيات القرن الماضى ويلتحق بمعهد القراءات التابع للأزهر، ويتتلمذ على يد الشيخ عبدالحميد السحار والشيخ المغربـى، فيما حرص فى الوقت نفسه على ملازمة الشيخ على محمود، الذى اقتنع بموهبته وقدمه فى بعض حفلاته، وكان قد تلقى فنون القراءات، وكان للشيخ على محمود فرقة تواشيح خاصة، فعرض على الشيخ طه الفشنى أن ينضم لفرقته،‏ كان زميله بالفرقة الملحن زكريا أحمد، كان ذلك قبل أن يلتقطه الشيخ درويش الحريرى، الذى صقل موهبته بتعليمه الموسيقى، لينطلق الشيخ لا يجاريه أحد من نظرائه فى عصره، وفى إحدى الليالى بحى الحسين عام ‏١٩٣٧‏ كان سعيد باشا لطفى، رئيس الإذاعة المصرية، يحضر حفلًا دينيًا حاشدًا، وكانت علاقته وثيقة مع الشيخ على محمود، الذى أعطى الشيخ طه الفشنى الفرصة للتلاوة، وكان يرتبط به بعلاقة خاصة، تظهر حين كان مقررًا أن يحيى الشيخ على محمود إحدى المناسبات، ولكن مرضه حال دون ذلك، فاتصل القائمون على المناسبة بالشيخ طه الفشنى ليحل محله، فما كان من الشيخ إلا أن ذهب للشيخ على محمود فى بيته ليطمئن عليه ويستأذنه فى إحياء المناسبة التى كانت مذاعة فى الراديو، وبعد نهايتها توجه مرة أخرى إليه، فوجد الشيخ على محمود وقد انسابت دموعه تأثرًا وفرحًا بما استمع إليه من تواشيح الفشنى، واحتضنه الشيخ على قائلًا: «لقد تأكدت الآن يا طه أنك خليفتى»، وانتهى الأمر بضم الفشنى للإذاعة عام ١٩٣٧، فكانت محطة مهمة له، حيث انتشر اسمه سريعًا فى مصر كلها، وصار ملازمًا الشيخ مصطفى إسماعيل فى السهرة الرمضانية فى سراى عابدين ورأس التين لمدة تسع سنوات، فى عهد الملك فاروق الذى كان يحرص على حضور حفلاته، ومما يذكر أيضًا أنه كان القارئ المفضل للزعيم الراحل جمال عبدالناصر، الذى أهداه طبقًا من الفضة الخالصة ممهورًا بتوقيعه، والرئيس محمد أنور السادات، وكرّم الرئيس محمد حسنى مبارك اسمه بعد وفاته، وظل القارئ الشيخ طه الفشنى مدرسة متفردة فى التلاوة والتواشيح والإنشاد الدينى.

وبدأ يأخذ سمعة أنه قارئ للقرآن الكريم، ولكنه لم يكن مضطرًا للاستمرار فى قراءة القرآن، خاصة أنه من أسرة ميسورة الحال، وكان شىء ما يجذبه ناحية القاهرة عندما لم يتمكن فى المرة الأولى، حينما حضر إليها ليلتحق بمدرسة القضاء الشرعى، وعاد، لكن كان منظر حى الحسين فى خاطره، التحق بالأزهر الشريف فى هذه المرة، ولكن بغرض أن يتعلم فنون القراءات، وحصل بالفعل على إجازة علم القراءات على يد الشيخ عبدالحميد السحار، وأتقن علوم التجويد.

وأقام الشيخ طه الفشنى بحى الحسين، وكان قريبًا منه فى السكن الشيخ على محمود، ملك التواشيح الدينية، وكان للشيخ على محمود فرقة تواشيح خاصة، فعرض على الشيخ طه الفشنى أن ينضم لفرقته‏،‏ وكانت فرصة جيدة أن يتعلم الشيخ طه الفشنى الطرب، خاصة أن الشيخ على محمود يعد مدرسة الطرب المصرى، فعلى يديه تعلم محمد عبدالوهاب الموسيقى، وعلى يديه أيضًا دخل الشيخ طه الفشنى فن التواشيح والمديح، وكان زميل الشيخ طه الفشنى فى فرقة الشيخ على محمود الملحن زكريا أحمد‏.‏

وفى يوم تجلٍ للشيخ طه غرد فيه بشكل غير طبيعى، لدرجة أبهرت سعيد باشا لطفى، رئيس الإذاعة، وبعد أن أنهى الشيخ طه القراءة استدعاه رئيس الإذاعة وقال له: «يا شيخ طه بكره لازم تكون عندنا فى الإذاعة المصرية‏، وصوتك لازم يأخذ فرصته ويستمع له الناس فى كل بر مصر»، وفى اليوم التالى ذهب الشيخ طه الفشنى للإذاعة وأجرى اختبارًا والتحق بالإذاعة المصرية سنة ‏١٩٣٧‏، وقدرت لجنة الاستماع صوته بأنه قارئ من الدرجة الأولى الممتازة، وكان مخصصًا له قراءة ساعة إلا ربعًا فى المساء فى الإذاعة المصرية‏، كانت الإذاعة بمثابة محطة مهمة للشيخ طه الفشنى، لأن اسمه انتشر فى كل مكان فى بر مصر، بعدها بفترة حانت له فرصة أن يلازم الشيخ مصطفى إسماعيل فى السهرة الرمضانية فى السرايا الملكية عند الملك فاروق.

وفى عام ١٩٩١، كرمته الدولة بمنح اسمه نوط الامتياز من الطبقة الأولى، وأطلق اسمه على أحد الشوارع الرئيسية بمدينة نصر بجوار مدرسة ابن الأرقم. الشيخ طه الفشنى كان خير سفير لمصر فى البلدان العربية والإسلامية التى زارها مبعوثًا أو مدعوًا، كما كرمه زعماء ورؤساء وملوك دول السعودية وباكستان وتركيا وماليزيا وتونس والمغرب وليبيا والسودان وسوريا.

وقال عنه المتخصصون فى فن التلاوة وعلم الصوتيات إن الشيخ طه الفشنى وهبه الله سبحانه وتعالى صوتًا ملائكيًا عذبًا ومقامات صوتية تعدت نحو ١٧ مقامًا صوتيًا يتنقل بينها فى سلاسة واقتدار لا مثيل له، فضلًا عن تمتعه بطول نفس وعلمه الكبير بعلم الموسيقى العربية ومقاماتها، وفى يوم الجمعة العاشر من ديسمبر عام ١٩٧١، رحل عن دنيانا الشيخ طه الفشنى بعد أن ترك تراثًا ضخمًا وكنزًا من التلاوات القرآنية النادرة والتواشيح والابتهالات الدينية.

بقلم الأستاذ والباحث المصري د.مينا بديع عبدالملك
 
المصدر: الدستور
captcha