ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّةٌ..

لايعصِمُ الانسان من الجَزَع والهَلَع إلا الإيمان

13:13 - January 27, 2023
رمز الخبر: 3489688
بيروت ـ إکنا: لا يعصِمُ الانسان من الجَزَع والهَلَع إلا الإيمان، الإيمان بالله وربوبيته وحكمته، والإيمان بثواب الله الذي يتفضل به عليه حين يبتليه، وبثواب الصبر الذي يثيبه به حين يصبر على المصائب.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "الجَزَعُ مِنْ أَعْوانِ الزَّمانِ".

الجَزَعُ: نقيض الصَّبر، وإظهار ما يلحق المصَاب بمصيبة مِن المضَض والغَمِّ، وحُزْن يَصْرِفه عمَّا هو بصدده، ويَقْطَعه عنه قهراً. وقد يكون الجَزَع أشدّ درجات الحزن.

والجَزَع من الصفات المصاحبة للإنسان وملمح أساسي من ملامح شخصيته، إنه جزوع بطبعه كما يقول القرآن الكريم: "إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا ﴿19﴾ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا ﴿20﴾ وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا ﴿21﴾ إِلَّا الْمُصَلِّينَ" ﴿22/ المعارج﴾.

فالإنسان هَلوع سريع الجزع عندما يمسُّه مكروه، وسريع المَنع عندما يمسُّه الخير، فلا صبر له أمام النوائب، ولا ثبات له أما الابتلاءات والمصائب، ولا توازن لديه أمام الخيرات عندما تأتيه.

عندما يمسُّه الشر يتألم لِلَذعته، ويحسب أنه دائم لا ينقضي، وباقٍ لا كاشف له، ويظن اللحظة التي تعصف به المصائب والبلايا سَرمَدية لا نهاية لها، فيحبس نفسه في أوهامه ويرتعب من تخيُّلاته، ويحسب أن الشَّرَّ كله قد اجتمع عليه، وأنه وحيد قد أسْتُفرِدَ به، وأن الذي حدث له لا يحدث لغيره، فلا يتوقَّع فرجاً، ولا يتوقع من الله رحمة وتغييراً، بل قد يَتَّهِم الله في رحمته وعدله، ومن ثم يأكله الجَزَعُ، ويُمَزِّق كيانه الهَلَع، لأنه لا يأوي إلى ركن شديد، ولا يلجأ إلى حِمَى الله، ولا يحترز بحرزه.

ولا يعصِمُه من الجَزَع والهَلَع إلا الإيمان، الإيمان بالله وربوبيته وحكمته، والإيمان بثواب الله الذي يتفضل به عليه حين يبتليه، وبثواب الصبر الذي يثيبه به حين يصبر على المصائب، والإيمان الذي يَصِلُه بالله مالك الملك، ومالك الدنيا ومالك الآخرة، فيجد عنده الطمأنينة التي تُمْسِك به من الجَزَع عند ملاقاة الشر والمصيبة.

فإذا خلا القلب من الإيمان فإنه يهتز أمام أصغر المصائب، ويقلق عند أقل الأزمات، وتتناوبه رياح الخوف والتوتر كما تتناوب الريشة الخفيفة، فيعيش نهاره قَلِقاً، ولا ينام الليل من القلق، ويستولي عليه الخوف الدائم، فيجد نفسه حبيسة ذلك الخوف الدائم الباقي، فلا يهنأ بعده بشيء أبداً.

واعلم قاري الكريم: أن لا أحد في هذه الدنيا يخلو من الابتلاءات أيّاً يكن نوعها، وأن لا أحد فيها تصفو له الحياة من كل جوانبها، لا أحد، لا أحد، حتى الأنبياء والمرسلين وأولياء الله لم يسلموا من ابتلاءاتها ومصائبها، بل كانوا أكثر الناس ابتلاءً، لأن الدنيا ليست دار قرار واستقرار، وليست دارا للسعادة الدائمة، والراحة الدائمة، والعافية الدائمة، الدنيا دار عَناء وتعب ومكابدة، وفيها الموت والخسارة والشَّقاء والآلام والضغوط، وتتطلب الكَدَّ والكدح وبذل الجهود المضنية، هذه طبيعة الدنيا ولا يمكننا أن نُغيرها، ولا يمكن أن تتغير لأنها ليست إلا محرثاً نحرث فيه لنحصد في ذلك العالم الآتي حيث الراحة والطمأنينة وكل ما يرغب الإنسان فيه.

والناس في تعاملهم مع مصائب الدنيا وابتلاءاتها أصناف شتى، فمنهم من يصبر وإن لم يرضَ بما أُصيبَ به وهذا شأن أهل الدرجة الأولى من الإيمان، ومنهم من يصبر ويرضى، وهذا شأن أنبياء الله وأوليائه، كما أخبر الله تعالى عن أيوب النبي (ع): "...إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ"*﴿44/ ص﴾ وكما ردَّدَ الإمام الحُسَينُ الشهيد مِراراً وهو يعالج جراحاته في صعيد كربلاء: "رِضاً بقضائك يا رَبّ".

وهذان الصنفان يَمُرُّ عليهما البلاء سهلاً يسيراً، ومنهم من يجزع فلا هو يصبر ولا هو يقبل ما كان، وهذا الصنف يَمُرُّ عليه البلاء صَعباً بل يراه عظيماً، ويرى المُصيبة التي تصيبه من أعظم مصائب الدنيا وإن كانت صغيرة، فهو يُعين المصيبة على نفسه، ويُعين الزمان عليه، إن الصبر على المصيبة يخفف من وطأتها، أما الجزع ففضلا عن أنه لا يحول دون وقوعها، فإنه يزيد من ثقلها وكلما عظم الجزع زاد الثقل لدرجة يصعب على الجازع أن يتحمَّله، فتصير المصيبة مصائب، والبلاء بلاءات.

وقد قال أمير المؤمنين (ع): "الجَزَعُ عندَ المُصيبَةِ أشَدُّ مِن المُصيبَةِ" وقال: "الجَزَعُ عندَ المُصيبَةِ يَزيدُها، والصّبرُ علَيها يُبيدُها"* وقدَّم (ع) لنا مَنهَجاً يجب أن ننتهجه للتعامل مع المصائب فقال: "إيّاكَ والجَزَعَ، فإنّهُ يَقْطَعُ الأملَ، ويُضْعِفُ العملَ، ويُورِثُ الهَمَّ. واعلَمْ أنَّ المَخْرَجَ في أمرَينِ: ما كانتْ فيهِ حِيلَةٌ فالاحْتِيالُ، وما لَم تكُنْ فيهِ حِيلةٌ فالاصْطِبارُ".

بقلم الكاتب والباحث في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

أخبار ذات صلة
captcha