ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّةٌ...

إطالة التفكير في الرأي يوفِّق الشخص إلى أصوب الآراء

14:04 - February 05, 2023
رمز الخبر: 3489816
بيروت ـ إکنا: إن إطالة التفكير في الرأي، واجتناب العَجَلة يوفِّق الشخص إلى أصوب الآراء وأكثرها سَداداً وُرشداً، وهذه واحدة من صفات الشخص الحكيم الذي لا يقول ولا يفعل عبثاً لأنه يعطي لكل موقف ما يناسبه.

ووِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "امْخَضُوا الرَّأْيَ مَخْضَ السِّقاءِ يُنْتِجُ سَديدَ الآراءِ".

ما أبلغ هذه العبارة العَلَوية، وما أوفق هذا التمثيل للدلالة على أهمية تقليب الرأي والنظر إليه من جوانبه المختلفة قبل تبنيه والعمل به.

المَخْضُ: هو ضرب الشيء المائع وتحريكه، ومنه مخض اللَّبَنِ حيث يوضع في وعاء ويُحرَّك لفترة من الزمن حتى يخرج منه الزُّبْدُ، والمخاض: اضطراب الجَنين وتحرّكه في الرَّحِم إيذانا بدنو ولادته. ومنه قوله تعالى عن مريم العذراء (ع): "فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ..."*﴿23/ مريم﴾.

إن هذه الدُّرَّة العَلَوية الكريمة تحتمل معنيين اثنين كلاهما يُفضيان إلى نتيجة كريمة:

المعنى الأول: ألّا يتسرَّع الشخص في تبني رَأيٍ من الآراء، أو اتخاذ قرارٍ من القرارات في أيّ مجال كان إلا بعد أن يُفَكِّر فيه مَلياً، ويُجيل نظره فيه، وينظر إليه من مختلف وجوهه وزواياه، ويقارنه بالآراء المطروحة، ثم يجري غربلة لها، وتقويما لكل واحد منها، ويتدبَّرَ في نتائجه وعواقبه فإذا بانَ له الرشد فيه تبنّاه وقرَّرَه، وإذا بانَ له الغِيُّ فيه أمسك عنه وطرحه جانباً، فإن فعل ذلك وُفِّق فيه للرشاد والسَّداد. وقد جاء عن الإمام أمير المؤمنين (ع): "الرَّأيُ مع الأناةِ، وبِئسَ الظَّهيرُ الرأيُ الفَطيرُ" (أي الرأي الذي يكون عن عَجَلَة). وجاء عنه: "اِضرِبُوا بعضَ الرأيِ ببعضٍ يَتَوَلَّدْ مِنهُ الصَّوابُ"

إن إطالة التفكير في الرأي، واجتناب العَجَلة يوفِّق الشخص إلى أصوب الآراء وأكثرها سَدادا وُرشداً، وهذه واحدة من صفات الشخص الحكيم الذي لا يقول ولا يفعل عبثاً لأنه يعطي لكل موقف ما يناسبه، كما يصف الطبيب الماهر الدّواء المناسب للدّاء بعد أن يُشَخِّصه تشخيصاً دقيقاً، ومعلوم أن الفِكر يفيد الحكمة، لأنه ينير القلب، ويُجلي العقل، ويؤمن من العَثرة، ويُنجي من المَعاطب، ويُثمر الاستظهار، ويصون من الخطأ والزَّلل، وبه تنجلي غياهب الأمور.

المعنى الثاني: المُشاورة، والمُحاورة، والنقد البَنّاء، ففي هذه الثلاثة مَخْضٌ للرّأي، ولا بد في النهاية من أن تنتج الرّأي السَّديد والقرار الرَّشيد، فإن الاستشارة طريق إلى الهداية، وفيها مشاركة للآخرين في عقولهم، فقد يعرفون ما لا يعرف، وينكشف لهم ما لم ينكشف له، وفي المُحاورة تبيين للصواب وتمييز للخطأ، وفي النقد البَنَّاء إصلاح للأخطاء، وفي جميع ذلك مخضٌ للآراء المختلفة وتقليب لوجوهها، وإمعان للنَّظر فيها، فرأيٌ يكون ناتج اجتماع عقولٍ عديدة أصوب من رأي ينتج عن عقل واحد.

وفي هذا دعوة إلى عدم الاستبداد بالرأي، فإن المُستَبد برأيه هالك لا محالة، ومتهَوِّرٌ في الخطأ والغَلَط. وفيه دعوة أيضاً إلى قبول آراء الآخرين والأخذ بها إن كانت صواباً، أَيّاً يكن قائلها، مشهوراً أم مغموراً، فإن العاقل يتَّبِعُ الصَّواب من أين جاء، وينظر إلى ما قال ولا ينظر إلى من قال، وقد جاء عن الإمام أمير المؤمنين (ع): "لا تَستَصغِرَنَّ عِندَكَ الرأيَ الخَطيرَ إذا أتاكَ بهِ الرجُلُ الحَقيرُ"*.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

أخبار ذات صلة
captcha