ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة....

الدُّنيا ليست نهاية المطاف لحياة الإنسان

21:32 - April 17, 2024
رمز الخبر: 3495342
بيروت ـ إکنا: في عقيدة المسلم، وهي العقيدة الحَقَّة التي أثبتتها البراهين العقلية والعلمية القطعية، أن الدُّنيا ليست نهاية المطاف لحياة الإنسان، بل هي نشأة وُسطى تأتي بعد نشأتيه في عالَمي الأصلاب والأرحام.

 
 
ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "قَدَّمُوا خَيراً تَغْنَمُوا، وَأَخْلِصُوا أَعْمالَكُمْ تَسْعَدُوا".
 
في عقيدة المسلم، وهي العقيدة الحَقَّة التي أثبتتها البراهين العقلية والعلمية القطعية، أن الدُّنيا ليست نهاية المطاف لحياة الإنسان، بل هي نشأة وُسطى تأتي بعد نشأتيه في عالَمي الأصلاب والأرحام، تليها نشأتا البرزخ والآخرة، وبالموت ينتقل من نشأة إلى نشأة تالية، لأن الموت ليس انعداماً بل انتقال وحسب، والآخرة هي نهاية رحلة الإنسان في تلك العوالم التي ذكرتُ، والنهاية لا يراد بها الانعدام، بل يراد بها الولادة الحقيقية في العالم الحقيقي، ولذلك أطلق الله تعالى في كتابه الكريم وصف المتاع على الدنيا، إذ قال: "... وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴿185/ آل عمران﴾. وقال تعالى: "... وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ ﴿36/ البقرة﴾. والمَتاع هو الشيء القليل الذاهب الزائل.
 
ووصف الله الآخرة بأنها الحياة الحقيقية فقال: "وَمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴿64/ العنكبوت﴾. ووصفها بأنها دار القرار فقال: "...إِنَّمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ ﴿39/ غافر﴾.
 
وفي عقيدة المؤمن الحَقَّة أن الدنيا لا تنفصل عن الآخرة، إنهما في علاقة عضوية إحداهما تنصع الثانية، هي علاقة مؤثر وأثر، الدنيا هي المؤثر والآخرة هي الأثر، علاقة صانع ومصنوع، الدنيا تصنع الآخرة، وهذا معنى ما قاله رسول الله (ص): "الدُّنْيا مَزْرَعَةُ الآخِرَةِ" يزرع الإنسان هنا ويحصُد هناك، ففي حياتنا الدنيا نبني آخرتنا، نبنيها بطاعاتنا وعبادتنا لله عَزَّ وجَلَّ، وبما نقدمه لآخرتنا من صالح الأعمال، فحياتنا الدنيا سبيل سعادتنا وشقاوتنا في نفس الوقت، وفرصتنا التي لا تعوَّض إذ إن مدة الحياة هي وقت أعمالنا الذي ستكتب لنا به سعادة الآخرة أو شقاؤها، فالحياة إنما جعلت سبيلا للتزود وطريقا للسعادة والنجاة، ومن علم أن سعادة الأبد وشقاء الأبد مرهون بهذه الأيام والساعات واللحظات التي نقضيها في الدنيا علم قدر ما هو فيه، ومن لم يقدر ذلك قدره فهو من الغافلين، وسيكون في الآخرة من النادمين.
 
بناءً على ما سبق، على المرء أن يبني آخرته وهو في دنياه، وأن يستغل كل لحظة من عمره في هذا الشأن، وأَلّا يماطل أو يُسَوِّف لأنه لا يدري متى يأتيه أجله وينتهي عمره ويغادر هذه الدنيا، فيجب أن يغادرها إلى دار القرار وقد بناها بأعماله الصالحة. 
 
وهذا مراد الإمام أمير المؤمنين(ع) من قوله: "قَدَّمُوا خَيراً تَغْنَمُوا" وتفوزوا بالجنة التي وُعِدَ بها المتقون، فالجَنَّة في حقيقتها ليست إلا تلك الاعتقادات الحقَّة والأعمال الصالحة التي اعتقد بها الإنسان وعملها في حياته الدنيا، قدمها هنا فتجسدت جنة في الآخرة يرتع في رياضها الغَنَّاء.
 
إن الله تعالى يدعونا إلى أن نقدم لأنفسنا في الدار الآخرة، نعمل في الدنيا الصالح من الأعمال ما يتجسَّد في الآخرة جناناً عالية وارفة الظلال رغيدة العيش طيِّبة الإقامة، فكل ما نقدمه لأنفسنا قليلا كان أم كثيراً لا يضيع، بل يدَّخره الله لنا، قال تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴿110/ البقرة﴾.
 
ومما لا شكَّ فيه أن ما نُقدِّمه لأنفسنا في الآخرة يجب أن نُخلص فيه النية لله، نُصفيها من شائبة الشِّرك والرياء وهو واحد من مصاديق الشرك، وإخلاص النية لله تعالى ليس يعني حاجة بالله إلى أعمالنا، سبحانه هو الغَنِيُّ، إنما العامل يحتاج إلى الإخلاص وسعادته الحقيقية تكمن في ذلك، ففضلاً عن أن الله تعالى لا يقبل عملاً شيبَ بارياء كما جاء في النصوص الشريفة، فإن المُخلص يدور في عمله حول محور واحد وهو الله وذلك يريحه ويُطمئنه، ويعلم أن الله يراه، ويعلم ما يأتي به من أعمال صالحة، ويوفيه الثواب، بل يثيبه أكثر مما قد يذهب إليه خياله.
 
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
captcha