ایکنا

IQNA

جواهر علویة...

التدبير هو قوام الحياة

17:02 - January 08, 2023
رمز الخبر: 3489404
بيروت ـ إکنا: التدبير هو قوام الحياة، فلا حياة من دون تدبير، والله سبحانه مُدبِّر الكون وما فيه، إنه يخلق الخلق، وينظمه، ويسيره، ويرعاه، ويحفظه، ويهيئ له جميع ما يحتاج إليه في سيره التكاملي.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "الْتَّدْبِيرُ بِالْرَّأْي، والْرَّأْيُ بِالْفِكْرِ"

التدبيرُ في اللغة: النَّظَرُ في عاقِبَةِ الأمرِ، وتَقويمُه على ما يكون فيه صَلاحُ عاقِبَتِهِ، يُقال: دَبَّرَ الأْمرَ: إذا ساسَهُ ونَظَرَ في عاقِبَتِهِ ليقَعَ على الوجهِ الأكمَلِ، والتَّدَبُّرُ: التَّفكُّرُ، أي: تَحصيلُ المَعرِفَتَينِ لتَحصِيل مَعرِفةٍ ثَالِثَةٍ، وأَصلُ الكلِمَةِ مِن الدُّبُرِ، وأَدبارُ الأمُورِ: عَواقِبُها. 

فالتدبير: هو التخطيط الواعي والهادف الذي يقوم على مراعاة عواقب الفعل والنتائج التي يمكن أن تترتب عليه، ثم تنظيمه وتسييره وقيادته، ومراقبته حتى يتحقق للمُدَبِّر الأمر الذي يريده.

والتدبير هو قوام الحياة، فلا حياة من دون تدبير، والله سبحانه مُدبِّر الكون وما فيه، إنه يخلق الخلق، وينظمه، ويسيره، ويرعاه، ويحفظه، ويهيئ له جميع ما يحتاج إليه في سيره التكاملي، ويعلم إلى أين ينتهي مسيره ومصيره، وقد خلق الله الملائكة لتدبير شؤونه، قال تعالى: "فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا"﴿5/ النازعات﴾ فهم يدبرون جميع شؤونه بأمر الله. وعلى الإنسان أن يهتم بتدبير شؤونه كلها، فلا خطوة يخطوها إلا وهي تحتاج إلى تدبير، ذلك أمر يعلمه كل عاقل، ولا يمكن لعاقل أن يهمل ذلك، فإن التدبير هو نصف العقل.

والتدبير عمل يحتاج إلى علم ومعرفة وإتقان، ولا يمكن أن يتم كيفما اتفق، بل هو علم له قواعده وأحكامه التي تساعد الشخص على اتخاذ القرارات المناسبة بشكل علمي، ثم العمل على تطبيقها في الواقع، وهذا معنى ما قاله الإمام أمير المؤمنين (ع): "الْتَّدْبِيرُ بِالْرَّأْي، والْرَّأْيُ بِالْفِكْرِ"، إن المرء إذا أراد أن يقوم بعملٍ فعليه أن يتدبَّر فيه، والتدبر يقتضي التفكير في نتائجه وآثاره وعواقبه، والتفكير في كيفية إنجازه، والتفكير فيما يحتاج إليه من أسباب ووسائل، والتفكير في وقته الأنسب، وقد جاء في الحديث عن رسول الله (ص) أنه قال لابن مسعود: "يا ابْنَ مَسعود، إذا عَمِلتَ عمَلاً فاعْمَلْ بِعِلمٍ وعَقلٍ، وإِيّاكَ وأنْ تَعمَلَ عمَلاً بِغَيرِ تَدَبّرٍ وعِلمٍ، فَإنّهُ جَلَّ جَلالُهُ يقولُ: وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثَاً".

إن المَرء إذا كان لا رأي له، أو متردّداً في رأيه، فلن يمكنه أن يُدَبِّر أموره، ولو كان له رأي وكان عازماً على الفعل ولكنه لم يفكر في عواقبه، ولم يتأمل فيما يجب التأمل فيه فلن يكون مدبِّراً، بل يكون عشوائياً مزاجياً في فعله، وسيذهب عمله سُدىً، فلا تدبير دون رأي، ولا رأي دون تفكير، التدبير يحتاج إليهما معاً، يحتاج إلى الرأي والمراد به هنا العقل والوعي كي يأتي فعله هادفاً لا عبثية فيه، ويحتاج إلى العلم والتفكير كي يصيب بفعله، ويحصل على النتائج التي يرجوها.

إن الرأي الذي يكون دون تفكير هو أمر مزاجي، والمزاج قد يتغير بين ساعة وأخرى، أما إذا انطلق الرأي من تفكير عميق فسيكون ثابتاً مستقراً لأن التفكير يلحظ جميع الظروف والأسباب والإمكانات والفرص والعقبات فيأتي الرأي علمياً، ويكون الفعل واقعياً أو أقرب ما يكون من الواقع.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

captcha