ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّةٌ...

الرَّيبُ مَرَض نفسي خطير، واضطراب عقلي

11:25 - January 18, 2023
رمز الخبر: 3489556
بيروت ـ إکنا: الرَّيبُ مَرَض نفسي خطير، واضطراب عقلي، وتفكير شاذٌ، وسيطرة أفكار غريبة، وهواجس خطيرة لا تفسير منطقياً لها، وحيرة وضياع، واضطراب فكري وعقائدي، واضطراب في التعامل مع القوانين والمقررات الشرعية.

رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "الْمُرِيبُ أَبَداً عَلِيلٌ".

الرَّيبُ: التُّهمَة والشَّكُّك، وأصل الكلمة من الارتياب، وهو: القلق والاضطراب، يقال: ارتاب الرجل، أي: قلق واضطربت نفسه، وضده: اليقين والطمأنينة.

ويطلق الرَّيْبُ على الشُّبهة، فيقال: ارتَبْتُ فيه: إذا اشتبه علي. ومن معانيه أيضاً: الظن، والوهم، والمِرية، والترَدُّدُ، والوسوسة، والحاجة.

فالرَّيب شَكٌ ولكن مع ريبة وتُهمَةٍ، أما الشَّكُّ فهو تردُّدُ الذِّهن بين أمرين على حَدٍ سواء، وهذا هو الفرق بين المَفهومَين.

والرَّيبُ مَرَض نفسي خطير، واضطراب عقلي، وتفكير شاذٌ، وسيطرة أفكار غريبة، وهواجس خطيرة لا تفسير منطقياً لها، وحيرة وضياع، واضطراب فكري وعقائدي، واضطراب في التعامل مع القوانين والمقررات الشرعية، واضطراب في العلاقة مع الآخرين لانعدام الثقة بهم والخوف الدائم منهم، وتفسير مواقفهم تفسيراً سلبياً، والنظر إلى نواياهم بتوجُّسٍ وخوف، إذ يعتقد أنهم جميعا يريدون أذيته وإلحاق الضرر به.

ونتيجة لذلك تصدر منه أفعال وسلوكيات عدوانية تجاه الآخرين، ولا يتورّع عن انتقادهم وتحقيرهم، وتتبع عوراتهم، بل لا يتورَّع عن إيذائهم ظناً منه أنه يدفع بذلك عدوانهم عليه، فهو يجد نفسه دائماً في موقفٍ دفاعي، ويعتقد أن الآخرين في هجوم مستمر عليه، لذلك لا يُفصِح لهم عن نواياه، ولا يكشف عن شيء من خصوصياته ولو كانت عادية جداً، خوفاً من استغلالهم لها في إيذائه، وغالباً ما يقيم حواجز بينه وبينهم، ويتحسَّسُ من أي نقد يتوجهون به إليه ولو كان بَنّاءً، بل يرفض حتى نصائحهم، وحتى من يعتقد أنهم يحبونه يتوقع أن يكرهونه في المستقبل، فضلاً عما سبق فهو سريع الغضب عادة، ومن الصعب أن يرتاح أو يهدأ، لأن كل الأشياء خارج ذهنه وداخله تُبقيه في حال دائم من القلق والتوتر، لا مع الناس يرتاح ويطمئن، ولا أفكاره يثق بها، ولا عقيدته يجزم بها.

والمريض بالشك والرَّيب حين يزداد شكه وريبه يُبتَلى بما يُصطلَحُ عليه بجنون الاضطهاد، والذي يجعله يشعر بأنه مستَهدَفٌ دائماً وأن الآخرين يراقبونه ويتجسسون عليه، ويحاولون تخريب حياته وعلاقاته، وقد يُبتلى بما يصطلح عليه أيضاً بجنون العظمة، فيرى نفسه متفوقاً على الآخرين، وأنهم أدنى منه في التفكير والذكاء والحِنكة، وقد يُبتلى بالغيرة الشديدة فيشك في إخلاص شريكه الزوجي له، ولا يقنع بأي برهان يقدمه إليه شريكه، ويصل به الأمر في النهاية إلى ما يصطلح عليه بجنون الارتياب الديني والفكري، حيث تتشوش عقيدته، وتضعف، فيشك في الله، ويشك في دين الله، فإن بقي على هذه الحال خرج من الدين وأنكره.

والأمر المؤكد أن المُرتاب لا يُدرِك خطأه، ويعُدُّ ما يقوم به طبيعياً ومُبَرَّراً، ولذلك يصعب العيش معه، فمن يشترك في علاقة زوجية أو أسرية أو عائلية أو عملية معه فقد ابتُلِيَ بمصيبة، وعليه أن يتحمَّل، ويتغافل، ويصبر على ما سيلقاه منه، وأن يبذل الجهد الكافي لإقناعه بتلقي العلاج النفسي، وأحياناً العلاج الدوائي المطلوب.

"المُرِيبُ أَبَداً عَلِيلٌ" هذا ما قاله الإمام أمير المؤمنين (ع) وقد اتضح لنا مِمّا قدمناه معنى قوله، ودقته، ولا عَجَبَ في ذلك، فالقائل عَلِيٌّ، وهو العَلِيُّ بفهمه وعلومه ومعارفه. إن المُريبَ عليل مريض، والخطير في عِلَّته أنه لا يُدرك أنه مُعتَلٌ مريض، لذلك يحتاج إلى عناية خاصة به، وعرضه على المُتخَصِّصين ليَصِفوا له العلاج الممكن.

بقلم الباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

أخبار ذات صلة
captcha