ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّةٌ....

على المرء ألا يستسلم للعجز

9:21 - January 18, 2023
رمز الخبر: 3489552
بيروت ـ إکنا: على المرء ألا يستسلم للعجز، وألا يقيم حياته على أساس أنه عاجز ضعيف، لأن ذلك من أخطر ما يُبتلى به فيخسر الدنيا ويخسر الآخرة.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "الْعَجْزُ شَرُّ مَطِيَّة".

لا أغالي إن قلت: إنَّ من أسوأ ما يُبتَلى به المَرءُ أن يستسلم لعجزه، وضعفه، وقلة حيلته، والأسوأ منه أن يُقِنع نفسه بذلك، مُبرِّراً إخفاقه وفشله بأنه لا يملك ما يملكه الآخرون، وليس في مقدوره حتى أن يسعى ليكون مثلهم، في الثقة بنفسه، والسعي لاكتشاف قدراته وطاقاته، نعم هذا من أسوأ الابتلاءات.

إن هذا اللون من التفكير يفتِك بالإنسان، ويحطم معنوياته، ويغلق عليه نوافذ الأمل، ولا يقتصر الأمر عليه وحده، بل يجعل منه مشكلة اجتماعية خطيرة، يجعله عالَة على الآخرين ينتظر منهم أن يُعيلوه، وينفقوا عليه، ويهتمّوا بشؤونه، وهذا بدوره ينال من كرامته بين أيديهم، ويُهرِق ماء وجهه أمام أعينهم، فيكون بينهم مُهاناً يفِرُّون منه ومن همومه ومشاكله.

وما أبلغ تعبير الإمام أمير المؤمنين (ع) عما تقدم، إنه يقول: "الْعَجْزُ شَرُّ مَطِيَّة" فالمطية هي الدابة التي يمتطي الشخص ظهرها ليذهب إلى مقصده، هي المركبة التي يستقلها الانسان المعاصر في أسفاره وتنقلاته، والمركبة يجب أن تكون مؤهَّلة لتحمله وتقله كي يصل إلى غايته، فإن كانت معطَّلة فلن يتحرك من مكانه متراً واحداً، العجز هكذا، العجز مركبة مُعَطَّلَة، بل مُعَطِّلة، لا هي تتحرك، ولا راكبها يتحرَّك، فيبقى حيث هو لا يتقدم خطوة نحو مقصده.

والحقُّ أن العجز حتى البدني منه مناشئه نفسية، فإما أن يكون الشخص يعيش فراغاً عقائدياً وروحياً، الأمر الذي يشعره بالعجز الدائم، ويُفقده الإرادة والعزم، كما يُفقده القدرة على المبادرة، أو أن يكون قد مَرُّ في ظروف من الخوف المستمر ما يجعله يهاب الإقدام حتى على أبسط الأشياء، أو يكون قد مر بسلسلة من الأعمال الفاشلة فيقنع نفسه بالعجز عن النجاح في غيرها، أو أنه تلقى تربية قاسية مليئة بالإهانة أو الإذلال، أو أنه ارتكب أخطاء فادحة، أو كانت منه ذنوب ومعاصي كثيرة فيُصاب بعقدة الحقارة، أو حدثت معه تغيّرات سريعة وجذرية في أساليب حياته لم تكن متوقعة، مثل الأزمات المالية أو التغيرات الاقتصادية المفاجئة التي حدثت في الآونة الأخيرة في لبنان وفي العالم والتي نتج عنها لدى كثير من الناس شعورٌ بالعجز عن مواكبة المتغيرات الطارئة، وتأمين النفقات المطلوبة، والشعور بضياع المستقبل والاكتئاب واليأس وفقدان الأمل.

وقد استقرأ الباحثون حالات الشعور بالعجز عند المُبتَلين به، ووجدوا أن هؤلاء يفتقرون إلى الثقة بأنفسهم، ويضعون لأنفسهم أهدافا متدنية لشعورهم بالعجز عن تحقيق الأهداف الكبرى، ويفضِّلون المهام السهلة التي سبق أن نجحوا فيها، ولشعورهم بالعجز يتجنبون القيام بأي فعل فراراً من الفشل، ويرون الفشل السابق دليلا على الفشل الآتي، ولا يشعرون بالفخر بإنجازاتهم لأنهم يعتقدون أن غيرهم هو السبب فيها وليسوا هُم، ويرتفع منسوب قلقهم وتوترهم عند مواجهة المصاعب، ويستسلمون بسهولة، وتتناقص قدراتهم الفكرية وحتى البَدَنية شيئاً فشيئاً، إلى أن ينسحبوا من الحياة وينزوون في بيوتهم، وينطوون على أنفسهم.

ورغم ما تقدم فإن الإنسان قادر على أن يستجمع قواه، ويشحذ همته من جديد، شَرْطَ أن يؤمن بقدرته، ويؤمن أن الله تعالى لم يمنع عنه ما وهبَ لغيره من الطاقات والقدرات، وأن الفرق بينه وبينهم يكمن في أنهم آمنوا بقدرتهم فنجحوا، وهو آمن بعجزه ففشل. إن على المرء ألا يستسلم للعجز، وألا يقيم حياته على أساس أنه عاجز ضعيف، لأن ذلك من أخطر ما يُبتلى به فيخسر الدنيا ويخسر الآخرة.

بقلم الباحث اللبناني في الدراسات القرآنية "السيد بلال وهبي"

أخبار ذات صلة
captcha