ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّةٌ...

العمل هو الهوية الحقيقية للإنسان

0:37 - January 11, 2023
رمز الخبر: 3489451
بيروت ـ إکنا: يرى الإسلام أن الإنسان عمَلٌ، إن صلَح عمَلُه كان صالحاً، وإن فسَدَ عمَلُه كان فاسداً، العمل هو الهوية الحقيقية للإنسان، هويته المعنوية في مقابل هويته البيولوجية.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "الْمُؤْمِنُ بِعَمَلِهِ".

لن تكون مؤمناً حقاً حتى تكون عاملاً بما يدعوك إليه إيمانك، فالإيمان التزام، وعمل، وتطبيق فِعلي لِقَيَم الدين الذي انعقد قلبك على الإيمان بأنه طريق نجاتك في الدنيا وفي الآخرة، فلا يمكن أن يظل إيمانك حَبيساً في قلبك، بل يجب أن يتجسَّد في الحياة، الإيمان ليس حالة قلبية وحسب، ولا قيمة له أن يكون قلبياً وحسب، وإن كان موقعه القلب، ومنشؤه القلب، ولكن قيمته أن يتجسَّدَ عَمَلاً، وتَعامُلاً، وقِيَماً، وصلاحاً، وإصلاحاً، وأَمْنا، وأماناً، ومَوَدَّة، ورحمة، وتعاطفاً، وتكافلاً، وصدقاً وأمانة، وإعماراً للأرض، واكتشافاً لقوانينها، واستثماراً لما أودع الله فيها من خيرات وثروات، وإقامة للمجتمع الإنساني الفاضل، الإيمان هو هذا، وفوق هذا، هو أن تتجلى صفات الله فيك وعليك، هو أن تكون آية من آيات الله، آية تدل على الله، وعلى رحمة الله، وعلى لطفه، وفضله، وكرمه، وجوده، وحنانه. وحين يراك الناس يرون خُلُقاً كريماً قد تجسَّد فيك، وعَملاً صالحاً يتواصل معهم، وقدوة صالحة تأخذ بأيديهم إلى الله.

الإيمان ليس شعاراً تعلِّقُه على صدرك، ليس سُبحة تحملها في يدك، ولا لحية تطيلها، ولا ثفنة على جبينك، ولا عقيقاً تتختم به، ليس راية ترفعها على سطح منزلك، الإيمان سَيرٌ نحو الكمال، وسلوك أخلاقي نبيل، وتعامل إنساني رفيع، هذا ما قاله النبي الأكرم (ص): "لَيسَ الإيمانُ بالتَّحَلّي ولا بالتَّمَنّي، وَلَكِنَّ الإِيْمانَ ما خَلَصَ في القلبِ وصَدّقَهُ الأعمالُ" وقال: "الإيمانُ مَعرِفةٌ بِالْقَلبِ، وقَولٌ باللِّسانِ، وعَمَلٌ بالأرْكانِ"*. وقال: *"إنّ الرّجُلَ لا يكونُ مُؤمِناً حَتّى‏ يكونَ قلبُهُ مَعَ لِسانِهِ سَواءً، ويكونَ لِسانُهُ مَعَ قلبِهِ سَواءً، ولا يُخالِفَ قَولُهُ عمَلَهُ، وَيأمَنَ جارُهُ بَوائقَهُ"*. وقال الإمام أمير المؤمنين (ع): *"لَوْ كانَ الإيمانُ كَلاماً لَمْ يَنْزِلْ فيهِ صَوْمٌ وَلا صَلاةٌ وَلا حَلالٌ وَلا حَرامٌ"*.

*إن الذي تقدم ذكره يتخطّى ذلك الخلاف الذي بين العلماء في حقيقة الإيمان وما هو، هل أن العمل جزءٌ منه، أم ليس جزءاً منه، وهل أن الاعتقاد يكفي في تحقُّق الإيمان أم لا بُدَّ من العمل، وأن العمل يبعث على كمال الإيمان، البحث يتخطى ذلك، ليصل إلى نتيجة مفادها أن الإيمان المؤثر في بناء شخصية الإنسان وتكاملها، والمؤثر في بناء الحياة الإنسانية الراقية وتكاملها وتطورها مادياً ومعنوياً مَشروطٌ بعَمَل المؤمن بما يؤمن به، أي الالتزام العملي بأوامر الدين ونواهيه.

هذا هو الإيمان*، إنه عَمَل، والمُؤمن بعمله، هكذا يرى الإسلام، إنه يرى أن الإنسان عمَلٌ، إن صلَح عمَلُه كان صالحاً، وإن فسَدَ عمَلُه كان فاسداً، العمل هو الهوية الحقيقية للإنسان، هويته المعنوية في مقابل هويته البيولوجية، وعلى أساس هويته المعنوية يُمنح شهادة سُلوك، ومنزلته عند الله تتأتّى من عمله لا من أيِّ شيء آخر، لا من نسبه، ولا من ماله، ولا من الجماهير المُلتَفَّة حوله في الدنيا، عمله هو الذي يمنحه الدرجة والمنزلة، قال تعالى: *"وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ"*﴿19/ الأحقاف﴾.

*وإذا كان الإنسان "عمل"، والعمل هويته، فإن النِّيَّة هي التي تعطي العمل قيمته، فإن صَدَقَت وصَحَّت صحَّ العمل، وإن كَذَبَت النية وساءَتْ ساء العمل، وهنا يتقدَّم الدين في معاييره، ويذهب بعيداً في موازينه، فهو وإن كان يهتم بظاهر العمل، لكنه يهتم أكثر بالنية التي ينشأ منها العمل، وبعبارة أخرى: لا يكتفي بالنظر إلى تلك اليد التي تعطي الفقير مالاً، أو تبني له بيتاً، بل ينظر إلى نية الفاعل، فقد يعطيه رياءً وسمعة، وقد يعطيه يريد أن يشتري صوته، أو سوى ذلك من النوايا السيئة، فظاهر العمل جميل، ولكن باطنه سَيِّءٌ قبيح، ومثل هذا الفعل لا يحبه الله ولا يرضاه.

أفلا تتساءل قارئي الكريم عن سبب مساعدة دولٍ ثرية دولاً فقيرة، ألا تتساءل عن نواياها، ألا تتساءل عن نوايا حشود من الجمعيات التي تغزونا تحت عناوين إنسانية، إن نواياها تثير الريبة، وتثبت الأيام أن عطاياها لم تكن إلا وسيلة لتمرير أفكار هدامة واستبدال قيم، بقيم وشراء للولاءات والذمم، فظاهر العمل جميل، لكن النوايا غالبا ما تكون خبيثة.

النتيجة التي نخلص إليها هي: أن الإيمان ليس كلمة تقال، ولا فكرة ينعقد القلب عليها وحسب إنما هو عمل، وأن المؤمن يقاس بعمله، وعمله يقاس بدوافعه.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

أخبار ذات صلة
captcha