ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّةٌ...

الأصل عند المؤمن أن يعمل راجياً بعمله وجه الله

10:52 - February 08, 2023
رمز الخبر: 3489866
بيروت ـ إکنا: صحيح أن الأصل عند المؤمن أن يعمل راجياً بعمله وجه الله، ومتقرباً به إليه، وحريصاً على أن يوافق رضاه وحده، ولا يُشغل باله بما يقوله الناس إن كان على الحق والهدى.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "احْذَرْ كُلَّ أَمْرٍ إِذا ظَهَرَ أَزْرى بِصاحِبِه وَحَقَّرَهُ".

هذا معيار دقيق وميزان لا يخطئ، يقدمه لنا أمير المؤمنين (ع) نختار أعمالنا على أساسه، فكل عمل نفاخر به أمام الناس ولا يجلب إلينا الذم والتحقير والمهانة والمذلة نعمله، وكل عمل يجلب إلينا ذلك نجتنبه.

صحيح أن الأصل عند المؤمن أن يعمل راجياً بعمله وجه الله، ومتقرباً به إليه، وحريصاً على أن يوافق رضاه وحده، ولا يُشغل باله بما يقوله الناس إن كان على الحق والهدى، ولكن رأي أهل الصلاح والتُّقى في الشخص وعمله مُهمٌّ كذلك، فإن ذلك يوثِّقُه لديهم، ويطمئنهم إليه، ويفتح له أبواباً واسعة على فُرُص الخير، وقد جاء في وصية الإمام أمير المؤمنين (ع) لولده الحسن المُجتبى (ع): "وإِنَّمَا يُسْتَدَلُّ عَلَى الصَّالِحِينَ بِمَا يُجْرِي اللَّه لَهُمْ عَلَى أَلْسُنِ عِبَادِهِ، فَلْيَكُنْ أَحَبَّ الذَّخَائِرِ إِلَيْكَ ذَخِيرَةُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ"

إن الأعمال التي يعملها الفرد لا تخرج عن واحد من أمرين، فإما أن تكون صالحة يفاخر بها على الملأ، أو تكون طالحة يخاف أن يعرف الناس شيئاً عنها، فإن كانت من النوع الأول ارتاح لها، وفخر بها، وأحبَّ أن يشاركه الناس فرحته بها، وصارت شعيرة تدل على صلاحه، وإن كانت من النوع الثاني جلبت إليه المتاعب الدائمة، فتراه خائفاً دائماً من أن يعلم الناس بها، وفتحت عليه أبواب القلق والتوتر والتوجُّس، كلما نظر إليه شخص خاف أن يكون عارفاً بما كان منه، وكلما حدَّثه ارتاب من حديثه، وغالبا ما يدعوه ذلك إلى أن ينطوي على نفسه، متوارياً عن الأنظار، فيقضي عمره قَلِقاً بائساً تعيساً، ولو حصل وعرف الناس بفعله فإنه يسقط من أعينهم، وتنعدم ثقتهم به، فيقضي عمره مَلوماً محسوراً، ومطروداً مَدحوراً، ومُداناً مَذموماً.

هذا في الدنيا*، أما في الآخرة فقد عرض لنا الله تعالى في كتابه مشهدين نقيضين، أحدهما يفيض بالغِبطة والسُّرور، والمَرء فيه جَذِلٌ مسرورٌ، وثانيهما مشحون بالندامة والحسرة والمرارة، والمَرء فيه بائس مخذول.

*أما المشهد الأول: قال تعالى: "فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ" ﴿19/ الحاقة﴾ في هذا المشهد يظهر صاحب الأعمال الصالحة وقد أُوتي كتابه بيمينه، وأخذ الكتاب باليمين قد يكون حقيقياً، وقد يكون تمثيلاً لغوياً جارياً على اصطلاحات أهل اللغة العربية من تعبيرهم عن وجهة الخير باليمين، كما يقول المفسرون، وأياً يكن الحال فنحن أمام رجل صالح بصلاح أعماله، يعتلي مسرح الحساب يوم القيامة والفرحة تغمر قلبه، والحشود المحتشدة في ذلك اليوم الرهيب تراه جَذِلاً مَسروراً فيهتف قائلاً: "هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ" إنه يُظهر كتابه لهم، يرفعه حتى تراه كل تلك الحشود، ولِمَ لا!، فكتابه ليس فيه ما يخشى من أن يعرفوه، ليس فيه إلا صالح العمل، أعمال مُشرقة وضَّاءة، وإنه ليفخر بها، وحُقَّ له أن يفخر.

وأما المشهد الثاني: فهو مشهد بَئيسٌ قاتم، مشهد كئيب، وصاحبه قد تمَلَّكته الحسرة، واستولى عليه الندم، وها هو ذا يَفرُّ من كتابه، يَفرُّ من عمله، حتى هو لا يريد أن يراه، ولا أن يسمع شيئاً عنه، ويتمنى أنه لم يُبْعَث للحساب، يتمنّى لو كان تراباً ولم يُبعَثَ من جديد.

قال تعالى: "وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ" ﴿25/ الحاقة﴾، يقول ذلك بعد أن بانَ له مصيره البئيس المشؤوم، يقف ويتمنّى لو أن أحداً من الحشود لا يراه ولا يسمع به، يقف وقفة النادم المُتَحَسِّر الخائف المتوتر، ووقفته طويلة الأمد، وحسرته مديدة.

فاحرص قارئي الكريم أن تأتي بالأعمال الصالحة المُشرقة، التي تبيض وجهك في الدنيا وفي الآخرة.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

أخبار ذات صلة
captcha